الشرع من قرية سورية إلى طريق طويل للبيت الأبيض
روجر كوهين- نيويورك تايمز
Tuesday, 11-Nov-2025 07:29

في عام 2019، أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب قوات أميركية خاصة إلى قرية صغيرة في سوريا لقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ويوم أمس، اتخذ رئيس سوريا، الذي كان يوماً ما أحد معاوني ذلك الزعيم، خطوة أخرى لتعزيز تحالفه مع البيت الأبيض.

بعد 6 سنوات من الغارة الليلية على قرية باريشا الهادئة في شمال غرب سوريا، لا يزال رشيد محمد كسير يرتجف عند تذكّر صوت المروحيات المدوّية فوق رأسه.

 

عندما استيقظ، ظنّ أنّ مروحية تابعة للنظام السوري اضطرّت للهبوط اضطرارياً. لم يكن يتوقع أنّه على وشك أن يشهد عملية القضاء الأميركية على أكثر الإرهابيِّين المطلوبين في العالم.

 

كانت المروحيات تقلّ قوات «دلتا فورس» الأميركية، في مهمّةٍ لقتل أبو بكر البغدادي، زعيم شبكة الإرهاب العالمية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، الذي فرض ذات يوم تفسيراً متطرّفاً للإسلام، على أراضٍ امتدّت لتُغطّي نصف سوريا وثلث العراق.

 

أعلن الرئيس ترامب في 27 تشرين الأول 2019، متحدّثاً عن هوَسه طوال ولايته الأولى بالقضاء على البغدادي: «لقد مات كالكلب». وفي مزاجٍ انتصاري، تحدّث مطوّلاً عن الطريقة التي مات بها مدبّر عمليات قطع الرؤوس، والرجم حتى الموت، وإعدام عدد من الأميركيِّين، والهجمات الإرهابية المدمِّرة في مدنٍ حول العالم، وهو «ينتحب ويصرخ ويُعوّي».

 

كشف كسير، وهو يرتدي قبّعة كُتب عليها «كن شجاعاً، كن حُرّاً»، جالساً في حديقته المحاطة ببساتين الزيتون: «بالطبع فعل ذلك. كنّا في المنزل المجاور وكدنا نموت خوفاً!».

 

في ذلك الوقت، على بُعد 25 ميلاً جنوباً في مدينة إدلب، كان أحد معاوني البغدادي السابقين، الذي عرفه في العراق، قد أصبح زعيماً محلياً لمقاومة نظام سوريا الخانق. كان البغدادي قد كلّفه بتوسيع تنظيم القاعدة إلى سوريا، لكنّه انشقّ عنه في عام 2013 تقريباً، ومنذ عام 2016، وبأسلوبٍ يجمع بين المصالحة والقسوة، بدأ يسلك مساراً أكثر اعتدالاً تدريجاً.

 

كان ذلك الرجل أحمد الشرع، المعروف آنذاك باسمه الحركي «أبو محمد الجولاني». وقد أطاح لاحقاً ببشار الأسد في كانون الأول الماضي، وأصبح رئيساً لسوريا بعد ديكتاتوريةٍ استمرّت 5 عقود. كما عقد لقاءً ودّياً أول مع ترامب في السعودية في أيار، واستُقبِل أمس في البيت الأبيض كأول زعيم سوري يحظى بهذا الشرف.

 

اعتبرت رندا سليم، الباحثة في معهد السياسة الخارجية التابع لجامعة جونز هوبكنز: «إنّه تطوّر مذهل حين تفكّر أنّ ترامب قتل في السابق رئيس الشرع ومرشده، البغدادي». قصة الشرع لم تُكتب بعد. لقد جلب الأمل، لكن هل سيُصبح قمعياً؟».

 

رحلة الشرع من جهاديٍ يسعى إلى قتل الجنود الأميركيِّين في العراق إلى زعيمٍ لبقٍ، أنيق المظهر، متسامح، يسعى إلى استمالة دولٍ في أنحاء العالم، هائلة، لدرجةٍ تثير تساؤلاتٍ حتمية حول مدى اكتمال هذا التحوّل فعلاً.

 

حالياً، يتحدّث كثير من السوريِّين، ومنهم كسير في باريشا، بحرّيةٍ أكبر، ويشعرون أنّ عبئاً هائلاً قد أزيح عن كاهلهم. فالتعب من الحرب بعد صراعٍ أهلي دام 13 عاماً بلغ حداً يجعل من غير المرجح عودة القتال بين المجموعات العرقية والدينية المتعدّدة في البلاد، على الأقل في المدى القريب، على رغم من اندلاع بعض المواجهات الخطيرة.

 

يؤكّد كسير وهو يُصرّ على ضيوفه أن يأكلوا بينما يقطع الفجل والبصل والطماطم والفلفل من حديقته: «الشرع ممتاز، إنّه يحاول خدمة الناس. نشعر بارتياحٍ كبير بعد التغيير في الحكومة».

 

وعندما سُئل عن رأيه في التحالف المتنامي بسرعة بين الشرع وترامب، أجاب أنّه لا يريد أن يُعتقل بسبب إجابةٍ خاطئة. معتقلاً من قِبَل من؟ أجاب ضاحكاً: «من قِبَل ترامب، طبعاً». حتى روح الدعابة بدأت تعود إلى سوريا.

 

كانت الشمس تسطع بقوّة، وارتفع صوت الآذان من مسجدٍ قريب. وخلف سياج منزل كسير، الذي بُني عام 2016، تمتد مساحة مفتوحة من أشجارٍ قاحلة وصخور، وهي ما تبقّى من مجمّع البغدادي. بعض الهياكل الخرسانية الصفراء الصغيرة التي شُيّدت كمراحيضٍ للنازحين خلال الحرب الأهلية تُشكّل منظراً كئيباً.

 

أعلن ترامب عام 2019 أنّ زعيم الإرهاب حُوصِر في نفقٍ حيث «فجّر سترته الناسفة، فقتل نفسه و3 أطفالٍ اصطحبهم معه. لقد مُزّق جسده بفعل الانفجار».

 

وأقرّ كسير أنّه في تلك الليلة سمع جندياً أميركياً يصرخ بالعربية بأنّ المنزل المستهدَف مُحاصَر وعلى الجميع الخروج عراة. وسمع إطلاق نارٍ وانفجارات.

 

وأضاف أنّ العملية الأميركية استمرّت 3 ساعاتٍ ونصف، وأنّه في الصباح التالي كانت 4 جثثٍ (امرأتان ورجلان) عاريةً بين الأنقاض. لم يبقَ من البغدادي شيء.

 

وكشف عماد نجّار، أحد سكان باريشا الآخرين، أنّ أحداً في القرية لم يكن يعلم أنّ البغدادي يعيش بينهم. ومثل كسير، شكّك في وجود أي أنفاقٍ أصلاً.

 

وصل الطعام: وليمة وفيرة من البيض، ومعجونٍ أحمر حار مصنوع من الفلفل وزيت الزيتون، وسردينٍ معلب، ومحصول الحديقة. نادَى كسير، الذي وُلد في باريشا وعمل موظفاً في المشرحة لسنوات، قائلاً: «أحضِروا زيت الزيتون، الجيد، وليس المغشوش!».

 

لا يزال يأمل في تعويضٍ (ربما 5000 دولار) من الولايات المتحدة عن الأضرار التي لحقت بمنزله والأثر النفسي المروّع للغارة. وهو أب لـ5 أبناء يبلغ 45 عاماً، أضاف أنّه وزوجته لم يتمكنا من إنجاب مزيد من الأطفال منذ عام 2019 لأنّ الصدمة أثّرت على خصوبته: «لم أتعافَ من الصدمة الكبيرة، كانت المروحية على بُعد 10 أمتار فقط فوق المنزل».

 

الرئيس الجديد أكثر إلفةً بالأنظمة السلطوية من تقاسم السلطة، وليس واضحاً بعد الاتجاه السياسي الذي سيسلكه، لكنّ الحرّية التي يعيشها الناس في بلاده مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل 11 شهراً تُختبر بشعورٍ من الدهشة لدى أمثال كسير.

 

ويُعتقد أنّه منذ تخلّيه عن الجهادية، تعاون الشرع مع الولايات المتحدة بتقديم معلوماتٍ استخبارية أدّت إلى ملاحقة قادة تنظيمَي الدولة الإسلامية والقاعدة في محيط إدلب، وفقاً لسفيرٍ غربي في دمشق طلب عدم ذكر اسمه تماشياً مع الأعراف الدبلوماسية.

 

أمّا ما إذا كان لذلك علاقة بما يعتبره ترامب أحد أبرز إنجازات ولايته الأولى (مقتل البغدادي) فسيظل أمراً قد لا يُعرف أبداً.

الأكثر قراءة